مقال للبابا شنودة بعنوان النمو في الحياة الروحية

. . ليست هناك تعليقات:

يظن البعض أنهم قد وصلوا إلى الغاية، حينما يتوبون ويبتعدون عن ارتكاب الخطايا. ولكن البُعد عن الخطية، إنما يُمثِّل فقط الجهاد السلبي في الحياة الروحية. فماذا إذن عن الإيجابيات؟ ... إنها طريق طويل. فالحياة الروحية لا تقف مطلقاً عند حد. إنما سائرة باستمرار. تنمو في كل حين وتتقدَّم. وهكذا فإن حياة النمو هى إحدى خصائص ومعالم الطريق الروحي.

وقد شُبِّه الإنسان الروحي بالشجرة التي تنمو بإستمرار ـ ولا تتوقف لحظة عن النمو.والشجرة تنمو بطريقة هادئة، ربما لا تلحظها وأنت تمر عليها كل يوم. ولكنها تنمو بإستمرار ـويظهر نموها بعد حين .

والإنسان الروحي ينمو في كل عناصر الحياة الروحية: ينمو في معرفة الله، وفي مخافته ومحبته. وينمو في حياة النقاوة وفي الصلاة والتأمُّل .. والذي لا ينمو هو عُرضة للفتور، بل عُرضة إلى أن يرجع إلى الوراء.

+ ولكن إلى أين يمتد الإنسان الروحي في نموه؟ إنه يصل إلى القداسة. ولا يقف عند هذا الحد، بل ينمو في القداسة حتى يصل إلى الكمال. والمقصود طبعاً هو الكمال النسبي، لأن الكمال المُطلَق هو للَّه وحده. إنما الكمال النسبي هو الكمال الذي يستطيع الإنسان أن يصل إليه، في حدود إمكانياته، ونسبة إلى ما وهبه الله من نعمة ومعونة، وما تُحيط به من ظروف.

+ وإن كنت لا تستطيع أن تصل إلى هذا الكمال النسبي، فمهما فعلت ومهما جاهدت في حياة الروح، قِف أمام الله كخاطئ ومُقصِّر لأنك بعيد عن هذا الكمال المطلوب.

إنَّ الإنسان الذي يسعى إلى الكمال يُشبّه بمَن يطارد الأفق: يرى الأُفق بعيداً في آخر الطريق حيث تنطبق السماء على الأرض. فيذهب إلى هناك ليرى الأفق أمامه عند النهر. فيذهب إلى النهر ويرى الأُفق امتد إلى الجبل ... وهكذا إلى ما لا نهاية. فالإنسان الروحي ينسى كل ما فعله من خير، لأنه يمتد إلى خير أسمى وأعلى، حتى يحب الرب الإله من كل قلبه ومن كل فكره، وبكل قوته. ومثل هذا الشخص الذي لا يوجد في قلبه سوى الله ـ تبارك اسمه ـ ... هذا لا توجد أيَّة محبة أخرى في القلب تنافس محبة الله ... فهل تشعر بذلك في قلبك؟ إنك تكون كذلك قد وصلت إلى مذاقة الملكوت وأنت على الأرض.

وإن كنت لم تصل، فلا تيأس ولا تحزن واعرف أن أطول طريق أوله خطوة. فإبدأ إذن بهذه الخطوة، مهما كانت قصيرة ومهما كانت ضعيفة وفاترة. حينئذ حينما يرى اللَه رغبتك في الحياة معه، سيُرسل لك معونات إلهية من عنده، وتفتقدك نعمته بكل قوة. والله الذي عمل في القديسين والأبرار وأوصلهم، وهو قادر أن يعمل فيك أيضاً. لكن نعمة الله العاملة ليست تشجيعاً لك على الكسل وعلى التهاون والإهمال. إنما النعمة تعمل فيك، وأنت تعمل بها ومعها. كُن جاداً في روحياتك. افتح قلبك لكي يملأه الله، واحرص ألاَّ تفتحه لمحبة خاطئة. وكُن أميناً في القليل الذي تستطيعه، فيُقيمك الله على الكثير الذي يُريده لك.

+ على أن النمو في الحياة الروحية قد تُقابله عقابات كثيرة وأولها حروب الشياطين. فالشيطان لا يقف ساكتاً إن وجد إنساناً يمتد إلى قدام باستمرار في طريقه الروحي لذلك يقف ضده وهذا ما يُسمَّى أحياناً بحسد الشياطين. إنهم يحسدون مَن يسير في حياة البِرِّ التي فقدوها. ومُحاربات الشياطين قد توقِف النمو عند البعض، وقد تُرجع البعض إلى الوراء. فإن تعرَّضت لهذه الحروب، لا تتضايق إنها شيء طبيعي. بل قاوِم واستمر في نموّكّ، وثِق أن نعمة تُحيط بك أقوى من أعدائك الأشرار.

+ ومن ضمن معوقات النمو الروحي: البيئة المُعطِّلة. لذلك تخيَّر أصدقاءك ومعاشريك ومُرافقيك في الطريق. فكما أن الصديق الصالح يجذبك معه إلى فوق، كذلك الصديق الشرير يجذبك إلى أسفل ويُعطِّل نموك.

نفس الوضع يحدث بين الأزواج. ولعلنا رأينا تأثير البيئة على لوط في أرض سدوم. إذن فالبيئة الخاطئة والضغوط الخارجية يُمكن أن تعطل الروحيات. لأن البار إذا انتصر عليها حيناً، فرُبَّما إذا ضغطت عليه فإنها تُعذِّب نفسه يوماً فيوم ولهذا احترس في ممارستك الروحية من استصحاب أحد يمكن أن يعوقك. فإبعد إذن عن الأشواك حتى ينمو زرعك المُقدِّس دون أن تخنقه البيئة المحيطة. واذكر دائماً قول الشاعر:



متى يبلغ البُنيان يوماً تمامه



إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم


+ مِمَّا يحارب النمو الروحي أيضاً: الإكتفاء في الروحيات. حيث يصل الإنسان إلى مستوى روحي مُعيَّن فلا يتقدَّم بعده ظاناً أنه وصل إلى نهاية المستوى دون أن يُفكِّر في تخطيه إلى ما هو أعلى. أو يحاربه الشيطان بأن ما فوق هذا المستوى هو لون من التَّطرُّف.

إنَّ الذي يقف نموه هو مُعرَّض للرجوع إلى الوراء. لذلك لا تكتفي مطلقاً بما أنت فيه. ولكن بحكمة ضع أمامك المستويات العُليا التي وصل إليها الأبرار، لكي يُحفزك ذلك إلى مزيد من الجهاد.

+ هناك أسباب أخرى تعوق النمو الروحي منها إرشاد الخاطئ لأنه كما يقول المثل: " أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان في حفرة "، لذلك لا تسمع نصيحة كل أحد، ولا تطلب الإرشاد إلاَّ من المختبرين. كما يقول الشاعر:



فخذوا العلم على أربابه



واطلبوا الحكمة عند الحُكماءِ


+ ومِمَّا يعوق النمو الروحي: التقليد الخاطئ حيث يحاول شخص أن يلبس شخصية غيره دون تمييز، ودون معرفة الفوارق بينهما من حيث الطبيعة والإسلوب. فرُبَّما ما يناسب شخصاً لا يناسب غيره. وقد يحدث ذلك حينما يريد الشخص أن يكون الشخص مُجرَّد صورة من مرشده.

+ ومِمَّا يُعطِّل النمو الروحي: الاهتمام بالفضائل الظاهرة دون العُمق. فمقاييس الروحيات ليست بالكثرة، وإنما بالجودة. فلا يصح أن يفرح إنسان بكثرة الصلوات، دون أن يدرك ما تحمله الصلاة من صِلة بالله، ومن خشوع ومن عُمق وفهم لكل عبارة وما يليق بها من مشاعر. كما لا يجوز أن يهتم بالعفة من جهة الشكل الخارجي، وإنما بعفة القلب من الداخل في مشاعره وأحاسيسه.

+ وقد يقف النمو الروحي بسبب الكبرياء. فإذا ما ارتفع القلب بسبب مستوى روحي وصل إليه الشخص حينئذ تبعد النعمة عنه لكي يشعر بضعفه فيتضع. فالنمو الروحي ليس هدفه الكبرياء، فإذا وصل إلى الكبرياء يسمح الله أن يقف هذا النمو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

https://st-julius.blogspot.com.eg/. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمون

انشر معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

إجمالي عدد زوار الموقع هذا الشهر

بحث هذه المدونة الإلكترونية

اضغط هنا للاستعلام الان

blogger

Translate

blogger

الاكثر مشاهدة

https://st-julius.blogspot.com.eg/

hi

مقالات

اضغط هنا للاستعلام الان

المشاركات الشائعة