الصليب وأهميته في المسيحية {جزء اول}

. . ليست هناك تعليقات:
اقراء المزيد





ربما كانت هناك فكرة نبيلة من وراء محاولة إنكار موت السيد المسيح، فالمُعترض على موته وصلبه يريد أن يبعد عنه هذه الميتة البشعة، ولا يقبل أنْ يسمح الإله بموت نبي جليل من أنبيائه، ولقد جاءت هذه الفكرة بعد قرون عديدة من أحداث صلب السيد المسيح وموته وقيامته.


غير أنَّ الحقائق التاريخية التي لا يمكن أنْ تلغيها فكرة عابرة أو غير صحيحة، تحمل معاني وأبعاداً أكثر نبلاً مما يستطيع أنْ يصل إليه العقل البشري الذي يجب أنْ يتصور أنه غيور على الإله، لم يكن موت السيد المسيح دليلاً على عجز الإله عن حمايته أو إشارة إلى عدم اهتمامه بمصيره، فمحبة الإله للمسيح محبة لا تُحد ولا تُوصف، ولكنه برهان على المدى الذي يمكن أنْ يذهب إليه الإله لإظهار محبته لنا، فهو مستعد أنْ يبذل ابنه الوحيد ويُضحي به على الصليب من أجل خطاياك وخطاياي، قال السيد المسيح "لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 16:3)، صحيح أنَّ الإله مهتم بالسيد المسيح، ولكنه مهتم بنا وبمصيرنا الأبدي أيضاً.



هنالك اعتبارات عديدة في قضية صلب المسيح، فهو لم يكن أمراً طارئاً على خطة الإله، بل كان جزءاً من قصده وتدبيره، فالمسيح لم يُصلب في غياب الإله أو على الرغم منه، قال بطرس تلميذ المسيح ورسوله لليهود "هذا أخذتموه مسَلَّماً بمشورة الإله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه" (أعمال 23:2)، وقد تحدث الأنبياء الذين سبقوا السيد المسيح عن خطايا البشر، يقول داود بلسانه "ثقبوا يدي ورجلي" (مزمور 16:22)، ويقول النبي أشعياء "وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا ... والرب وضع عليه إثم جميعنا، ظُلِم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه ... على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ أما الرب فسُر بأنْ يسحقه بالحَزَن إذ جعل نفسه ذبيحة إثم (أشعياء 10,5:53) ويتحدث النبي دانيال عن المسيح الرئيس الذي يُقدم كفارة عن الإثم ويُقطع أي يُصلب (دانيال 26،24:9)، كما يتحدث النبي زكريا بلسان المسيح "فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له" (زكريا 10:12) ولقد علّم الرب الإنسان بأنَّ الاقتراب منه لا يكون إلا عن طريق تقديم الذبائح الكفارية والتي ترمز كلها إلى موت السيد المسيح الكفاري عن خطايانا، ولهذا كانت تُقبل هذه الذبائح.


وعندما جاء السيد المسيح وباشر خدمته، تحدث عن موته على الصليب من أجل البشر وأشار إليه مرات لا تُحصى. ولقد كان هذا هو السبب الرئيسي لمجيئه، بل إنَّ حديثه المتكرر حول موته وصلبه كان سبب سوء فهم لكثير من الناس بمن فيهم تلاميذه، وسبب عثرة لأشخاص كثيرين، غير أنَّ هذا لم يقف حائلاً بينه وبين إتمام الغرض الذي جاء من أجله، ولم ينتظر موافقة أحد على ذلك فقد أكد أنه جاء ليتمم مشيئة الإله الذي أرسله ولن يعوق عن ذلك عدم فهمهم له أو احتجاجهم عليها ورفضها كما فعل بطرس الذي قال للمسيح: "حاشاك يا رب لا يكون لك هذا" (متى 22:16).


وربما كان بطرس يرجو أنْ يكون حديث المسيح عن الآلام والإهانات التي سيتعرض لها وصلبه وموته مجرد هلوسات أو أموراً رمزية في طبيعتها، لقد صرَّح السيد المسيح بأنَّ "ابن الإنسان ماضٍ كما هو محتوم"


(لوقا 22:22)، ولا توجد رجعة عن الصليب، فلن يسمح الإله أنْ يحول عمى الناس الروحي وفقدانهم للبصيرة والفهم السليم دون تحقيق مقاصده، وإذا أراد الإله أنْ يؤجل ما يريد أنْ يفعله إلى أن يفهمه الناس أو يجدوه مقبولاً أو معقولاً أو منطقياً، فإنه لن يفعل أي شيء على الأرجح لأننا نعرف أنَّ أفكاره وطرقه تختلف عن الظلمة، بل يُلقي النور على أعماله كيفما شاء ومتى شاء ليكون له وحده المجد، قال يسوع لبطرس "لستَ تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد" (يوحنا 7:13)، لم يكن حادث الصليب إذاً أمراً فوجئ به المسيح أو لم يكن في حسبان الإله، بل كان كما سبق أنْ قلنا الهدف الأول من مجيئه، قال "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يوحنا27:12) ولهذا فليس غريباً على الأرض، وما يتعلق بالقبض عليه ومحاكمته وصلبه وقيامته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

https://st-julius.blogspot.com.eg/. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمون

انشر معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

إجمالي عدد زوار الموقع هذا الشهر

بحث هذه المدونة الإلكترونية

اضغط هنا للاستعلام الان

blogger

Translate

blogger

الاكثر مشاهدة

https://st-julius.blogspot.com.eg/

hi

مقالات

اضغط هنا للاستعلام الان

المشاركات الشائعة