بقلم/خالد منتصر
وصلتنى رسالة هى قطعة من الحزن النبيل، رسالة شجن، لا غضب، من د. مينا بديع عبدالملك، الأستاذ بهندسة الإسكندرية، يوجهها إلى أم «ماجى»، أصغر شهيدة فى حادث الكنيسة البطرسية البشع، وهى تحتفل بعيد ميلاد أختها ميرا، أنشرها كما هى بدون تعديل أو تغيير، يقول د. مينا فى رسالته:
توجد امرأة عندها طفلتان هما «ماجى» فى العاشرة من عمرها و«ميرا» فى الثالثة من عمرها، وفى يوم الأحد 11 ديسمبر 2015، بينما الطفلة ماجى مع والدتها للصلاة بالكنيسة البطرسية بالقاهرة، رفض عدو الخير أن يلتزم الناس بالصلاة، فدخل فى قلب شاب وقام بتفجير نفسه بداخل الكنيسة!! وسالت الدماء وتطايرت الأشلاء وتفجرت ينابيع البكاء، لكن الأم الواعية كانت لها رؤية أخرى بعد أن رأت ابنتها الجميلة فى الأرض تصارع الموت، فقالت: «أشكرك يا رب لأن ميرا ما زالت حية»!! قضت «ماجى» بضعة أيام فى المستشفى تصارع الموت، لكن فى يوم 20 ديسمبر 2011 رقدت فى جوار الرب.
فى قاموس المسيحية لا توجد كلمة «موت»، إذ إنه فى صلوات الكنيسة القبطية يردد الكاهن صلاة: «لأنه ليس موت لعبيدك بل هو انتقال». وفى ساعة رُقاد أو انتقال «ماجى» رددت الأم الكلمات التى سجلها سليمان الحكيم فى سفر «نشيد الأناشيد»: «مَن هذه الطالعة من البرية معطرة بالمر واللُبان؟»، لأنها خرجت مُكللة بالآلام وهى فى حالة صلاة، ماذا قالت الأم فى نفسها؟ أنا يا رب قمت بالتربية على أكمل وجه: من ناحية التفوق المدرسى، التفوق الرياضى، والاندماج فى الكنيسة بصدق وحُب وأمانة. وها أنا يا رب أسلمها لك بين يديك يا خالقى. «ماجى» الآن فى موضع أفضل، الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة والتنهد فى نور قديسيك.
«ماجى» رقدت وهى زهرة يانعة وابنة جميلة ومحبوبة من الجميع، رفضت الأم أن ترتدى ثياب الحداد، وطلبت من المشاركين فى الصلاة على «ماجى» ألا يرتدوا زى الحزن أيضاً، فالصلاة على ابنتها «ماجى» هى صلاة إكليل مُبكر، مرددة فى ذلك مع القديس بولس الرسول: «إن عشنا فللرب نعيش، إن متنا فللرب نموت، إن عشنا وإن متنا فللرب نحن». وهكذا فى إيمان عظيم ودعت الأم ابنتها «ماجى» على رجاء القيامة العتيدة.
كان الشغل الشاغل للأم هو ابنتها الطفلة «ميرا» التى ستفتقد أختها «ماجى». حرصت فى الاحتفال بعيد ميلاد الطفلة «ميرا» مع الأب والأجداد فى المنزل -منذ بضعة أيام- كالمعتاد على القول إن «ماجى» سافرت. وكان الأب متى المسكين يُطلق على الموت اسم «السفر السعيد».
لا شك أن قلب الأم والأب يقطران دماً على الفراق الصعب، لكن الاطمئنان على الطفلة الجميلة وهى فى مكان الراحة أفضل بكثير، نظرت الأم الواعية إلى المعزيات، وقالت: اخرجن يا بنات مصر وانظرن الجميلة المتوّجة بتاج الاستشهاد الذى توجته به أمها الكنيسة المنتصرة فى السماء فى يوم فرحها الحقيقى وفى يوم فرح قلبها، هى الآن نائمة وقلبها مستيقظ وفى فمها تسابيح المنتصرين يسبحون الرب إلى أبد الآبدين، قد خلعت ثوب الجسد الضعيف ولبست الثوب الذى لا يبلى، غسلت رجلها الصغيرة من تراب هذا العالم الزائل فلا يمكن أن توسخهما بعد.
سمعت صوت الرب للمدعوين «لميراث الحياة الأبدية» ففرحت به أحشاؤها النقية. من هى المشرقة مثل الصباح، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهوبة كجبار بأس؟ إنها ابنتى «ماجى»، اختار الرب الطفلة «ماجى» لأنها كانت مستعدة تماماً للدخول إلى الأقداس فى زمرة القديسين، وأبقى لنا الأم د. نرمين لتكون مثالاً لنا فى الإيمان الذى لم يفتر، فسمعت صوت الرب: «يا امرأة.. عظيم هو إيمانك»، لسان حال «ماجى» الآن للذين أساءوا إليها وإلى جميع المصلين فى الكنيسة بل وللذين أساءوا إلى جميع المصريين: «يا رب، لا تُقم عليهم هذه الخطية، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون؟».