وقائع إجبار أطفال دور أيتام على ديانات وأسماء غير مولودين بها

.






إسلام الشرنوبى وياسمين شحاتة

تخيل نفسك مضطرا إلى التعامل باسم غير اسمك، وديانة غير ديانتك. يبدو الأمر صعبا، أو ربما تجده غير واقعى.. أليس كذلك؟ عليك الآن أن تعرف أن الأمر واقعى تماما، وأن فى مصر الآلاف ممن يعانون هذه الازدواجية المرعبة.
يمكن تبسيط القصة فيما يلى: طفل نشأ مع والدين يعرفهما، باسم يعرفه، وديانة يكبر عليها، وفجأة يتعرض للاختطاف، فيختار له الخاطفون اسما وديانة غير اللذين كان عليهما، ويستخرجون له شهادة ميلاد جديدة، ليصير شخصا آخر، يعيش مجبرا على التعايش معه طيلة حياته.

ماهر: الصليب فى قلبى.. وأصلّى مثل المسلمين

ماهر سعد، شاب فى مطلع العشرينيات من عمره، عاش سنوات طويلة من طفولته ومراهقته فى دار «أولادى» للأيتام، بمدينة السادس من أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة، ذاق لسنوات جميع أنواع التعذيب والإهانة منذ التحاقه بالدار، إلا أنه يراها جميعًا إهانات يمكن تحملها، أما ما لم يستطع تحمله، فهو إجباره من قبل مسئولى الدار على الصلاة كالمسلمين.


ماهر، مسجل فى شهادة الميلاد مسلم، لكنه يتذكر جيدا أنه لم يكن كذلك قبل اختطافه، ثم إيداعه دار الأيتام، وتغيير اسمه وديانته. يحكى عن أيام التعذيب تلك: «كنت برسم الصليب على أيدى، وبحب أدخل الكنيسة وكنت بروح أشترى الإنجيل، وكانوا بيضربونى بسبب ده كله، ويحبسونى، كانوا بيدخلونى أصلى صلاة المسلمين بالضرب»، على حد قوله.

لم يكن ماهر يعلم أنه سيكبر على نفس الحال، وسيحمل بطاقة رقم قومى مدونًا عليها ديانة لا تشبع رغبته الدينية، واسمًا لشخص يكبره بعشرين عامًا تقريبا، يقول: «فيه حاجة ناقصانى، أنا واخد اسم واحد تانى متجوز، أكبر منى بكتير.. ولما طلبت من المسئولين فى الدار يعرفونى بعض التفاصيل، رفضوا وتحججوا بسرية المعلومات الموجودة فى الملف، ولما ألحيت إدونى معلومات غلط».

ويشير إلى أنه هجر الدار، التى كان بها منذ أن كان فى التاسعة من عمره، بسبب ما رآه من عنف وإهانة. مطالبا وزيرة التضامن الاجتماعى بالتخفى وزيارة دور الأيتام: «هتشوف حاجات مش هتتصور إنها موجودة».





أيمن: والدتى المزيفة قادتنى لأمى الحقيقية

أيمن السيد، اسم مستعار لشاب آخر ينتمى لدار «رعاية الجيزة»، يحمل اسمًا غير اسمه، وينتسب على الورق لوالدين غير والديه اللذين أنجباه.


مأساة أيمن بدأت منذ طفولته، عندما تم اختطافه هو وشقيقه على يد عصابة لاختطاف الأطفال، وكما هو معتاد لدى تلك العصابات، زوروا شهادتى ميلاد للطفلين، وسجلوهما باسمين جديدين، وبديانة غير التى كانا عليها، واستخدموهما فى أعمال التسول فى الشوارع والميادين.

بعد سنوات قليلة من الخطف، ألقت الشرطة القبض على الأبوين المزورين، وقضت المحكمة بحبس الأب المحتال 5 سنوات، بتهمة الخطف والتسول، بينما تم إيداع الطفلين فى دور للأيتام، بنفس الاسم والديانة اللذين اختارهما لهما من خطفوهما واستغلوهما فى أعمال الشحاتة.


لم يكن أيمن يعلم من كل هذا شيئا، لهذا فعندما بلغ سن الـ16، قرر البدء فى رحلة البحث عن والديه، وعندما دلّه عليهما مسئولو الدار، اكتشف أنهما ليسا أبويه الحقيقيين، وعرف منهم قصته، وأنه ابن عاملة نظافة بأحد مستشفيات حلوان، وعندما ذهب إليها وجدها فى حالة صحية مزرية ولا تتذكر الكثير عنه، وأن أباه قد توفى مند زمن بعيد، وبعد فترة قصيرة ماتت هى الأخرى.

يقول أيمن لـ«الدستور»: «حياتى باظت واتحرمت من الميراث بسبب انى اتسجلت بشكل عشوائى»، ليقابل مشكلة أكبر وهى مشكلة التجنيد، فهو لا يستطيع استخراج شهادة وفاة لوالديه ليحصل على إعفاء من الخدمة العسكرية، لأنه لا يستطيع إثبات أن والديه توفيا من الأساس، لأنه مسجل بأسماء الخاطفين.




الآلاف يعيشون باسمين مختلفين

حسن جمعة، حالة ثالثة رصدتها «الدستور»، نشأ فى دار أيتام تابعة لجمعية الطفولة السعيدة، فى منطقة السادس من أكتوبر، حيث ذهب إلى الدار رضيعًا «حتة لحمة حمرا»، على حد وصفه، ليسجل باسمه الحالى الذى لا يعرف من أين أتى وحتى ديانته الإسلامية لا يعلم على أى أساس تم تسجيله عليها، لأنه لا يعرف أهله حتى الآن ولا يعرف عنهم أى معلومات.

ماهر وأيمن وحسن ليسوا حالات فردية، فهناك الألوف من الحالات تندرج عن دور أيتام تجبر الأطفال لديها على التسمّى بأسماء واعتناق ديانات غير أسمائهم ودياناتهم الأصلية، دون تحرى الدقة فى التسجيل، فى غياب رقابة وزارة التضامن الاجتماعى ووزارة الداخلية.

يؤكد وحيد فوزى، أحد خريجى دار «جمعية إنقاذ الطفولة»: «رأيت فى جمعية إنقاذ الطفولة ما لم أره فى حياتى من كذب وسرقة وأعمال لا تصح أن يقوم بها أى مواطن قويم مهما كان. تاجرنا فى المخدرات لأننا لم يكن لدينا طريق نسلكه، والغلط أسهل الطرق».

وتنص المادة الأولى من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، على أنه «تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسـبة لتنشـئتهم التنشئة الصحيحة من جميع النواحى فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية»، فيما تشير المادة الرابعة من نفس القانون إلى أن «للطفل الحق فى نسبه إلى والديه الشرعيين والتمتع برعايتهما، وله الحق فى إثبات نسبه الشرعى إليهما بجميع وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة، وعلى الوالدين أن يوفرا الرعاية والحماية الضرورية للطفل، وعلـى الدولـة أن تـوفر رعايـة بديلـة لكـل طفـل».





أخصائى سابق: الدور تسجّل الصغار بمزاجها

«يسجلون على حسب مزاجهم» يقول محمد عبدالحميد، إخصائى اجتماعى سابق بإحدى دور الأيتام، إن الطفل إذا ذهب رضيعًا يسجل حسب من وجده وحسب المكان الذى قام بتسلمه، فبالطبع إذا ذهب إلى جمعية قبطية فسيتم تسجيله على الديانة المسيحية، وإذا ذهب إلى جمعية مسلمة يسجل أيضًا على الإسلامية.




فيما أوضحت الباحثة القانونية فى وزارة التضامن الاجتماعى أمل عبدالرسول فى تصريحات تليفزيونية، أن «٨٠٪ من دور الأيتام فى مصر تحولت لشركات استثمارية للاتجار بالبشر، كما أنها تحولت لمصانع منظمة لتفريخ شباب الجريمة المنظمة للشارع المصرى، و20% تؤدى دورها بالشكل السليم».




ويشير جابر إسماعيل، أخصائى اجتماعى سابق بإحدى دور أيتام الجيزة، لـ«الدستور» إلى أن الأطفال الذين يأتون إلى الدار يسجلون فيها بأمر من النيابة على حسب أسمائهم الذين يخبِرون بها أصحاب الدار، ومن خلال الأسماء يستدلون منها على الدين، لأن غالبية الآتين إلى الدار التى كان يعمل بها على مدار 6 سنوات من أطفال الشوارع ومن ليس لهم مأوى.




ويشرح مصطفى غريب، أخصائى فى وزارة التضامن الاجتماعى، الأزمة بأنه «لم يُذكَر نص صريح فى تسمية وديانة الأطفال فى دور الأيتام، ولكن قرار النيابة فى هذا الشأن يعطى للدولة حق الرعاية، والديانة الأم فى الدولة هى الديانة الإسلامية، وعليه عند استخراج الأوراق الثبوتية يعامل كمسلم، ولكن إذا كان الطفل مدركًا للديانة يراعى ذلك».


468 دار رعاية لـ10 آلاف طفل




وفقاً لإحصاء رسمى صادر عن وزارة التضامن بنهاية 2016، فإن مصر بها 468 دار رعاية للأيتام، تضم نحو ١٠ آلاف طفل، بخلاف 9 آلاف آخرين يعيشون لدى أسر بديلة، فى حين كانت تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إجمالى عدد الأطفال المصريين (أقل من 18 سنة) حوالى 32.5 مليون طفل، يمثلون 36.6% من إجمالى السكان فى منتصف عام 2015.

ويعلق المحامى أحمد مصيلحى، رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الأطفال، بأنه من المفترض أن تقوم مصلحة الأحوال المدنية باختيار اسم افتراضى ويتم تسجيل الديانة على أنها الإسلام، لأنه الدين الرسمى للدولة.
وأضاف أنه إذا تواجدت بعض الحالات التى تتشابه فيها أسماؤهم مع أشخاص موجودين بالفعل فهذا يكون فى حالة تم تسجيلهم من الدار نفسها، أو من خلال قسم الشرطة، وهو ما يحدث فعلاً فى بعض الحالات، لكن الأساس أن مصلحة الأحوال المدنية تكون هى المسئولة حتى لا تتشابه الأسماء.

وأوضح مصيلحى أن بمصر عددًا لا يحصى من الأطفال لا يحملون أى شهادات ميلاد من الأساس أو أى أوراق رسمية تثبت هويتهم، وبالتالى هم أمام الدولة لا وجود لهم، سواء فى تعداد السكان أو فى الحقوق أو الواجبات، وبعضهم يتجه إلى الإجرام ولا يتم الاستدلال عليهم لأنهم لا هوية لهم، بل يتطور الأمر إلى استدراج أطفال آخرين من الأيتام أو من أطفال الشوارع أو ممن لا رقابة عليهم من الآباء من أجل الدخول فى هذا الطريق، وهو ما يجب أن تنتبه إليه الدولة، لأنها نقطة فى غاية الخطورة، وينتج من خلالها كوارث، وهى مسئولية الدور التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى التى لابد لها أن تتدخل من أجل استخراج شهادات ميلاد لجميع الأطفال.





الأحوال المدنية: التسمية بأمر النيابة

«الدستور» ذهبت إلى «مصلحة الأحوال المدنية» الجهة المختصة بإصدار البطاقات وشهادات الميلاد والوثائق الشخصية للأيتام، وجاء الرد على لسان مدير المناطق بمصلحة الأحوال المدنية اللواء لطفى عياد، الذى أكد أنه «عند العثور على الطفل لابد من عمل محضر، وبعد ذلك يتم إبلاغ النيابة ومصلحة الأحوال المدنية وإحدى دور الأيتام، وبعدها يتم عمل لجنة لإعطاء الطفل اسما رباعيًا لشخص ليس على قيد الحياة»، مؤكدًا أن ديانته تكون الإسلام طالما وجد على أرض ديانتها الرئيسية الديانة الإسلامية.




وعن احتمالية حدوث تشابه فى الاسم الرباعى مع شخص على قيد الحياة، أكد عياد استحالة حدوث ذلك، خاصة أن اللجنة تعطى للطفل اسمًا رباعيًا من ناحية الأب ومن ناحية الأم، لذا يستحيل تشابه الاسم الرباعى للطفل من الناحيتين.





التضامن: «مش إحنا»
واجهت «الدستور» مسئولى وزارة التضامن بكل ما تم توثيقه من حالات لأطفال وشباب تم إجبارهم على أسماء وديانات غير أسمائهم ودياناتهم الأصلية، وجاء الرد على لسان رئيس الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية سمية الألفى، بأن الوزارة دورها الإشراف والمتابعة لدور الأيتام، وتدريب الكوادر.

وتؤكد الألفى أنه لا يوجد أى طفل بدون أوراق، لأنهم يأتون عن طريق الشرطة التى تضع اسما افتراضيًا لهم من قِبل إدارة الأحوال المدنية بكود ما، ليكون معروفًا لديهم أنه طفل بلا أب أو أم، بديانة الإسلام لأنه وجد على أرض أغلبية شعبها مسلمون.

وحول إثبات ديانتهم الأخرى توضح: «يتم ذلك عن طريق الأب والأم المجهولين، وإن ظهرا فتتغير حالة الطفل من مجهول النسب إلى معلوم، فالوضع القانونى يختلف ويتغير نسبه وديانته إن كان أبواه لهما ديانة مخالفة».

وعن المشاكل الموجودة فى دور الأيتام، طالبت من يرى أى مخالفات بأن يبلغ الوزارة، التى تتدخل بشكل سريع، وتعاقب المخطئ وتنقل الأطفال لمكان آمن، موضحة أنهم يقومون بعمل لجان دورية لمواجهة تلك المشاكل بشكل سريع.


منقول من الدستور

المشاركات الشائعة

https://st-julius.blogspot.com.eg/. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمون

انشر معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

إجمالي عدد زوار الموقع هذا الشهر

بحث هذه المدونة الإلكترونية

اضغط هنا للاستعلام الان

blogger

Translate

blogger

الاكثر مشاهدة

https://st-julius.blogspot.com.eg/

hi

مقالات

اضغط هنا للاستعلام الان

المشاركات الشائعة